في قلب المتحف البريطاني، الواقع بحي "بلومزبري" شرقي العاصمة لندن، يقع جناح الفن الإسلامي تحت اسم "جناح مؤسسة البخاري لفن العالم الإسلامي ، ويأخذ الجناح بحلته الجديدة الزائر في رحلة فريدة إلى أزمنة وجغرافيا مترامية الأطراف عبر العصور الإسلامية، تبدأ من القرن السابع الميلادي حتى العصر الحديث، وتمتد من غرب أفريقيا إلى جنوب شرقي آسيا، يشاهد خلالها قطعا أثرية وأعمالا فنية ورسومات وأوعية من الفخار والخزف شاهدة على واحدة من أعظم حضارات العالم.
ثلاثة عشر قرنا هي عمر الفن الإسلامي يشاهدها الزائر لأحد أبرز أجنحة المتحف البريطاني من خلال ألوان شتى من الإبداعات والفنون مثل النحت والنسج والخط العربي وقطع الخزف ونماذج الاختراعات في مجالات العلوم والفلك وآلات الموسيقى، فالجناح يزخر بأدوات فخارية ومشغولات برونزية وفضية من العصر الأموي، وأوان خزفية صنعت في بغداد في فترة الحكم العباسي، وأسطرلاب من جنوبي تركيا يعود للقرن الثالث عشر، ونوافذ زجاجية معشقة بألوان بديعة من بلدان إسلامية في حقب مختلفة.
وتقول الدكتورة فينيتشيا بورتر، مسؤولة جناح فنون العالم الإسلامي بالمتحف البريطاني، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن القطع المعروضة تتفرد بأنها مصنوعة من مواد شتى، فهناك اللقى الأثرية من مناطق مثل سيراف وسامراء، وفيه يجد الزائر مصابيح المساجد والقطع الفنية من العصور الوسطى وفنون الكتابة والملابس التقليدية من فلسطين إلى آسيا الوسطى، وأعمال فنية معاصرة وحديثة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي بالأساس أعمال فنية على ورق.
وتضيف بورتر إن مقتنيات الجناح تمثل رقعة جغرافية واسعة تمتد من غربي أفريقيا إلى ماليزيا إلى الصين في الشرق، مبينة أن المتحف يتبنى نهجا بترتيب زمني وفق الموضوع، فعلى سبيل المثال، تركز بعض خزانات العرض على موضوع الكتابة، وخزانة أخرى عن الألعاب السائدة في مناطق جغرافية مختلفة وأزمنة مختلفة مثل لعبة الشطرنج، حيث تجد رقعة شطرنج من جزيرة صقلية تعود للقرن الثاني عشر الميلادي، ورقعة أخرى من نيجيريا تعود للقرن العشرين، فضلا عن قطع ألعاب أطفال أخرى مصنوعة من القماش تعود إلى اليمن، ودمى ظل تعود إلى تركيا، وأوراق لعب من بلاد فارس تعود للقرن الثامن عشر، ومنسوجات وقباقيب حمامات تركية مرصعة بالصدف يرجع تاريخ صناعتها للقرن التاسع عشر، وأدوات موسيقية من بلدان أفريقية مسلمة من القرن العشرين، ويبرز كل ذلك في الجناح في ظل عرض متناغم.
وتلفت إلى أن الجناح يعرض أعمالا تظهر تأثير الفن والصناعة في العالم الإسلامي على الفن الأوروبي، ومن أبرزها الخزف المصقول الذي بدأ في مدينة البصرة بالعراق قديما وانتقل منها وتطور عبر حضارات أخرى، وألهم فيما بعد صناع الخزف الإيطالي في القرون الوسطى ومن بعد ذلك فنان الفخار الخزفي الأشهر في القرن التاسع عشر ويليام دي مورجان، في سبيل الحفاظ على الآثار والقطع الحساسة للضوء في الجناح، حرص القيمون على تغيير عدد من المعروضات كل بضعة شهور، وذلك بهدف حماية المنسوجات والأعمال الورقية، حيث وفرت هذه الطريقة ديناميكية ومتعة إضافية للزائرين، فمع كل زيارة للجناح قد يكتشف الزائر قطعة جديدة أو مخطوطة أو احدى المنسوجات التي لم يشاهدها في الزيارة السابقة، الأمر الذي يضفي تجديدا على كل زيارة.
وتنتمي معروضات جناح الفن الإسلامي للعالم الإسلامي على اتساعه على مر العصور، فأينما حلت الحضارة الإسلامية ستجد لها أثرا أو قطعة أو لوحة في الجناح الجديد، فالزائر يقف لدى دخوله الجناح أمام قاعتين في عمق المتحف العريق ذي الأسقف المرتفعة ليجد نفسه أمام تراث مناطق تمتد من جنوب شرقي آسيا إلى أفريقيا إلى بلاد الأندلس، يحكي قصة الفن الإسلامي والشعوب التي صنعته ، وقد قام القائمون على الجناح بدمج قطع من مجموعات مختلفة من مقتنيات المتحف البريطاني، فهنا نجد قطعا متفردة من الفن الإسلامي، وأيضا نجد بعض القطع الأثرية هناك، وأيضا الفن المعاصر إلى جانب معروضات من النسيج والملابس، مثل بعض قطع الملابس التقليدية من بلدان مثل اليمن وأوزبكستان ومن عصر الدولة العثمانية.
0 Comments: